إن نجاح الداعية مرتبط بقدرته التأثيرية في المدعوين، ولا شك أن التأثير لا يأتي عفواً ولا عرضاً، كما أنه قطعاً لا يفرض فرضاً، بل هو مرتبط بمؤهلات ومواصفات لابد للداعية منها لتكون له شخصيته المؤثرة ومنها:
1- التميز الإيماني والتفوق الروحاني، الذي يكون الداعية به عظيم الإيمان بالله، شديد الخوف منه، صادق التوكل عليه، دائم المراقبة له، كثير الإنابة إليه، لسانه رطب بذكر الله، وعقله مفكر في ملكوت الله، وقلبه مستحضر للقاء الله، مجتهد في الطاعات، مسابق إلى الخيرات، صواّم بالنهار قواّم بالليل مع تحري الإخلاص التام وحسن الظن بالله.
وهذا عنوان الفرح وسمت الصلاح ومفتاح النجاح، إذ هو تحقيق لمعنى العبودية الخالصة لله، وهي التي تجلب التوفيق من الله فإذا بالداعية مسدد.. أن عمل أجاد، وأن حكم أصاب، وأن تكلم أفاد.. ومثل هذا ينطبق عليه وصف السلف بأنه " من تذكرك بالله رؤيته".
2- الزاد العلمي والرصيد الثقافي، حتى يجد الناس عند الداعية إجابة التساؤلات، وحلول المشكلات، إضافة إلى أن ذلك هو العدة التي بها يعلّم الداعية الناس أحكام الشرع، ويبصرهم بحقائق الواقع، وبه أيضاً يكون الداعية قادر على الإقناع، وتفنيد الشبهات، متقناً في العرض ومبدعاً في التوعية والتوجيه.
3- رجاحة العقل وحسن التدبير، فلا سذاجة تضيع بها معاني القيادة، ولا غضب يشوه صورة القدوة، ولا طيش ولا خفة تطمس معالم الهيبة، وللداعية في الأوزاعي مثل يحتذى عندما بين ضريبة القدوة بقوله: " كنا نضحك ونمزح، ولما صرنا يقتدى بنا خشينا أن لا يسعنا التبسم " .
فلابد للداعية من الاتزان والهيبة، وأن يكون صاحب عقل يرجح إذا اختلفت الآراء، ويحلل ويدلل إذا فقد الإدراك وغاب التصور، ويتقن به ترتيب الأولويات، واختيار الأوقات، واستغلال الفرص والمناسبات وحسن التخلص من المشكلات، والقدرة على التكيف مع الأزمات.
4- رحابة الصدر وسعة الخلق وذلك ليستوعب الداعية من حوله من الناس، فإنه كما أثر " لن تسعوا بأموالكم ولكن تسعوهم بأخلاقكم".
وللناس مطالب كثيرة، وتساؤلات عديدة، تحتاج من الداعية إلى الاحتمال، لأن الاحتمال – كما قيل – قبر المعايب، ولأن سعة الأخلاق رابط للناس، ومؤثر فيهم، فهذا رجل جاء إلى أبي إسحاق الشيرازي فجالسه ثم قال:".. فشاهدت من حسن أخلاقه ولطافته وزهده، ما حبب إلى لزوم صحبته فصحبته إلى أن مات".
والناس يلتفون حول من يعين محتاجهم، ويغيث ملهوفهم، ويتفقد غائبهم، ويؤثروهم على نفسه، ويفيض عليهم من حبه، ويقوي صلته بهم بالأخوة، ويعمق الامتنان بالإحسان.
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم **** فطالما استعبد الإنسان إحسان
5- الجرأة الواعية والثبات الراسخ، فالناس في الملمات يحجمون، وتتقدم بالداعية جرأته في الحق مصحوبة بحكمته في التصرف، فإذا هو المقدم الذي تشخص إليه الأبصار، وتتعلق به القلوب، ويصفه الناس بالشجاعة والإقدام، وعند المصائب يتخاذل البعض، ويتخلف آخرون، ويتلون فريق ثالث، ويبقى الداعية كالطود الشامخ.
وحسبك في ذلك موقف الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم- في يوم حنين؛ ثبت فكان بؤرة التجمع ونقطة الانطلاق نحو الانتصار.
6- الاستمرار والابتكار، فالعمل المنقطع يتبدد أثره، والعمل المتكرر يبعث الملل ويفقد الحماس، وتنويع الأساليب باعث على التشويق، ودليل على الإثراء وكثرة العطاء.
هذه بعض الملامح، فهل يعي الدعاة أن الضعف في التأثير والتغيير يكون في بعض الأحيان عائداً إلى قصورهم، وعدم استكمالهم لمعالم الشخصية المؤثرة!!.
الكاتب: الكاتب: د. علي بادحدح
المصدر: موقع يا له من دين